Subscribe to updates

Thursday, October 30, 2008

مجانية التدريس يا دولة الرئيس

مجانية التدريس يا دولة الرئيس
بقلم : خالد منصور

في بلدنا كل المعطيات تشير إلى أن هناك توجها لخصخصة كل شيء.. وإتاحة الفرصة للأغنياء وللأقوياء لتملك كل شيء.. والتحكم بكل شيء.. فبعد خصخصة قطاع الاتصالات جاء دور الكهرباء وعلى الطريق يسير قطاع مياه الشرب وقبل الجميع كان قطاع السياحة ووسائل المواصلات وها نحن نرى نذر تحويل جزء من قطاع الأمن إلى قطاع خاص.. يجري تنفيذ كل ذلك بدعوى الجدوى الاقتصادية وقدرة القطاع الخاص على تطوير الخدمات، دون إدراك أن الخصخصة للقطاعات الحيوية التي تقدم الخدمة لعموم الشعب، تجعل حياة كل الشعب رهينة إرادة مالكي تلك القطاعات، وتمنح أولئك المالكين الفرصة ( من مواقعهم الجديدة ) للتّحكم بالاقتصاد الوطني، وبالخدمات العامة الحيوية، والهيمنة لا على الاقتصاد وحده-- بل وعلى السياسة الوطنية-- والتأثير بمصير الشعب وقضيته.. وها هي الشواهد في بعض القطاعات التي ( خصخصت ) تفيد بان الشغل الشاغل لمالكيها ينحصر في تحقيق أرقام قياسية في الأرباح، وجمع الملايين من جيوب أبناء الشعب، دون أن يدفعوا للخزينة الوطنية إلا كما يقول المثل ( من الجمل أذنه ).
ويبدوا أن توجّه الحكومة نحو الخصخصة لن يتوقف عند القطاعات السابقة.. فهو يستهدف الآن بخطوات ثابتة ( وان كانت تبدو بطيئة ) أهم قطاعين حكوميين يقدمان الخدمة للجمهور، وهما قطاعي الصحة والتعليم.. ولأنني سبق وكتبت عن وضع قطاع الصحة الحكومي.. فإنني أود التركيز في هذه المقالة على قطاع التعليم الحكومي، الذي يمس حياة كل أبناء الشعب-- وبالطبع عدا أبناء الذّوات من المسئولين والأغنياء الذين ومن موقع قدرتهم على دفع التكاليف، يضعون أبناءهم في المدارس الخاصة، أو حتى يرسلونهم للدراسة في مدارس بلاد الإنجليز والأمريكان.
دولة رئيس الوزراء سلام فياض.. لا اشك في استقامتك الشخصية أو نزاهة إدارتك للحكومة.. بل وأقول أكثر إن عهد وزارتك قد يكون الامثل بين كل الوزارات السابقة.. ولكنني ومعي الكثيرين من أبناء شعبي نختلف معك في السياسات.. فأنت تقود بلادنا نحو اقتصاد السوق المفتوح-- دون أدنى حماية للمنتجين المحليين ولا للمستهلكين-- وخاصة الجماهير العريضة من الفئات الشعبية-- وانطلاقا من إيماني بحرية الرأي والحق بالتعارض والاختلاف ( وذلك بالسبل والأساليب الديمقراطية ).. فإنني ساسالك عن ثلاث.. عن الرسوم المدرسية.. وعن الكتب والقرطاسية.. وعن الدروس الخصوصية..
ربما ستقول لي أنت أو بعض مسئولي وزارة التربية والتعليم، أنها ليست رسوم بل هي تبرعات مدرسية.. ولكنني أقول لك جازما أنها رسوم تجبى من الطلبة.. فلماذا يدفع الأبناء هذه الرسوم، في الوقت الذي يدفع فيه آباءهم كل ما يستحق عليهم من ضرائب..؟؟ ولماذا لم تنظر وزارة التربية والتعليم إلى الأوضاع المعيشية القاسية، التي تعيشها جماهير شعبنا، فتقوم بإعفاء العاطلين عن العمل ( كما فعل الرئيس الراحل ياسر عرفات في سنوات سابقة )، أو تعفي ذوي الدخل الأدنى من خط الفقر، أو تقوم بتخفيض تلك الرسوم إلى النصف مثلا.. إن جباية تلك الرسوم-- يا دولة الرئيس-- يتعارض مع مبدأ مجانية التدريس..
وكيف تستقيم مجانية التدريس يا دولة الرئيس مع تحميل أولياء أمور الطلبة-- بالإضافة إلى عبئ الرسوم المدرسية-- عبئا آخر يتمثل بشراء الكتب والقرطاسية لأبنائهم.. بمبالغ قد تصل إلى عشرين دولارا لكل طالب..!!
لكن الظاهرة الأخطر التي تواجه التعليم في بلادنا، هي الانتشار الواسع للمعاهد التي تبيع خدمة الدروس الخصوصية للطلاب بأثمان باهظة ( وخاصة لطلاب صفوف الثانوية العامة ).. والتي وللعلم يقوم بالتدريس فيها عدد كبير من معلمي القطاع الحكومي.. الأمر الذي يمكن أن يستدل منه على تراجع مستوى التعليم في المدارس الحكومية.. فلماذا يلجا الطالب للدروس الخصوصية وعلى يد نفس المعلم.. أين الرقابة والمتابعة.. ولماذا لا يعطي بعض المعلمون نفس الجهد لطلابهم في المدارس، بدلا من تشجيعهم للتوجه للمعاهد..؟؟ قد يرد على كلامي البعض بالقول أن معظم أوائل الطلبة كانوا من طلاب المدارس الحكومية..!! ولكنني أدعو ذلك البعض لفحص كم من أولئك الطلبة الأوائل كان قد تلقى الدروس الخصوصية..وأخيرا اسأل: لماذا تنتشر المدارس الخاصة كالنار في الهشيم في معظم المدن.. ويقوم أولياء الأمور ( وحتى من ذوي الدخل المحدود ) بإرسال أبناءهم إليها.. أليس ذلك راجع إلى تراجع ثقة الجمهور بأداء المدارس الحكومية..؟؟
دولة رئيس الوزراء إن معاهد الدروس الخصوصية هي الرديف لمشافي الاستثمار الخصوصية.. فكلاهما نما على أرضية القصور والضعف الذي تعيشه القطاعات الحكومية.. الأمر الذي يعطي الحق للمواطن الفلسطيني للاعتقاد أن هناك سياسة مخططة وممنهجة لإضعاف القطاعات الحكومية لتحل محلها قطاعات الاستثمار.. وهو ما سيلحق اشد الضرر بمصالح الفئات الشعبية-- الغير قادرة على شراء أكثر الخدمات حيوية ( الصحة والتعليم ).

مخيم الفارعة
1/9/2008

لو كان الفقر رجلا لقتلته

لو كان الفقر رجلا لقتلته
بقلم : خالد منصور

نظرت الى وجهه فكان شاحبا بصورة مريعة، حدقت في عينيه فكان الدمع يغمرهما ويفيض على خديه وينساب مدرارا حتى يصل ذقنه، شفتاه ترتجفان ويداه متصلبتان وكانهما متشنجتان، الى جانبه كان يقف ابنه البكر ياسر-- الذي بالكاد كان قادرا على الوقوف، بل واحيانا كان يسنده بعض جيرانه واصدقائه، صافحت ابا ياسر وعانقته، فضمني الى صدره بقوة حتى كاد يكسر عظامي، نظر اليّ نظرة حزن عميقة لن انساها ما حييت، وحاول الكلام لكنه عجز، ابتعدت عنه قليلا وجلست على احد المقاعد-- حيث كان حشد كبير من المعزين يجلسون، حاولت ان افسر ما الذي كان سيقوله لي ذلك الرجل المنكوب الذي جئت مع كل رجال عائلتي لمواساته بمصابه وتعزيته بوفاة ابنه فلذة كبده، وخلته كان يود القول لي ( مات محمد الذي كان يحبكم يا ابا ساري.. مات محمد قبل ان تزهو له الحياة ليترك لنا زوجته وابنه الرضيع.. الآن محمد تحت التراب ولن ارى وجهه الباسم بعد اليوم ).. جلست على الكرسي، شربت فنجان القهوة المرة ( السادة ).. ثم نهضت وغادرت المكان مسرعا، لاني لم استطع تمالك نفسي من شدة الحزن.. فالميت رجل اعرفه تمام المعرفة-- شاب في مقتبل العمر، كان ودودا بسيطا الى ابعد الحدود، عاش فقيرا ومات فقيرا، لم يهنأ في حياته ولا ليوم واحد، وهو ينطبق عليه الى حد كبير المثل القائل-- من بطن امه الى القبر-- كان محبوبا من الجميع لانه كان بسيطا مسالما، قصير اللسان، خدوما جدا لمن ينشد مساعدته، وكان فوق ذلك يحظى بالتعاطف من قبل كل معارفه نظرا لفقره المزمن.
قبلها كان ملاك الموت يحوم حول ابنه الرضيع-- الذي جاء الى الحياة عليلا.. وحينها كنت قد كتبت انا عنه مقالا يشرح ماساته، ويسلط الضوء من خلاله على اوضاع الفقراء في بلادي.. لكن ملاك الموت-- وبالمشيئة الربانية-- ترك الطفل الرضيع لقدره المكتبوب، واتجه الى والد الطفل، فانتزع روحه بسرعة اذهلت كل الناس.. محدثا صدمة لكل الناس.. فمحمد الملقب بالمحسود ما كاد يطمئن على حياة ابنه.. الا وتعرض لحادث سير.. وشاءت الاقدار ان لا يموت محمد على الفور بل خرج من المستشفى معتقدا انه سليم معافى، وبعد يومين من خروجه جاء الى بيتنا ليزور زميله-- ابن عمي-- الذي اصيب معه بنفس حادث السير وكسرت يده، جاء المحسود ليزور رفيقه وزميله في العمل ليطمئن على وضعه، وغادر الى بيته ماشيا على رجليه كاي شاب معافى سليم.. لكن يبدو ان القدر كان يلعب لعبته، ففي نفس تلك الليلة وبشكل مفاجئ شعر المحسود بآلام شديدة في بطنه، الامر الذي دفع بوالده لنقله على الفور الى المستشفى، فتبين انه يعاني من نزف شديد افقده معظم دمه، فتدافع شبان المخيم في الحال-- اصدقاؤه واخرون لا تربطهم به علاقة-- للتبرع له بالدم، وعلى مدى يومين تم اعطاؤه اكثر من 30 وحدة دم .. لكن المسالة كانت اخطر من النزيف.. حيث اتضح ان محمد يعاني من تكسر في صفائح الدم، الامر الذي يعني ان حالته قد اصبحت ميؤوسا منها، وما كاد اليوم الثالث يمضي على اقامته في المستشفى حتى فارق المحسود الحياة، وتم اعادته في نعش الى بيته والى زوجته وامه جسدا بلا روح.. فبكاه الجميع بحرقة وتجمع كل سكان المخيم ليحملوه على الاكتاف ليدفن تحت التراب، وتم اقامة بيت عزاء له في بيت احد جيرانه حيث لم يبقى رجل شاب او كهل الا وجاء لتقديم واجب العزاء.
موت محمد المحسود ادخل الحزن الى قلب كل من يعرفه.. لكن الاهم من قصة موته-- التي من المؤكد انها تتكرر الاف المرات في كل يوم-- الاهم هو ان الموت قد كشف المستور عن حياة المحسود ووالد المحسود وكل عائلة المحسود.. كشف عظم الماساة التي كان يعيشها، حيث ادوات الموت من فقر وبؤس وحرمان وشقاء تحاصرهم وتخنق انفاسهم، فبيته لم يكن اكثر من الواح صفيح ملحقة ببيت ابيه، ولم يكن يملك من الاثاث الا القليل الذي لم يكن يجعله قادرا على استضافة اي من اصدقائه، اما مؤونة البيت من الغذاء فكانت فقط ما يكفيه واسرته لنفس اليوم، وما يبقيه بالكاد على قيد الحياة، لم يكن المحسود يملك اي من الادوات او الاجهزة التي تتيح له ولزوجته اي شكل من اشكال الراحة والتمتع او الترفيه..
المحسود كان عامل عادي لا يملك الا قوة عضلاته.. عامل طالته مثل الاف العمال في بلادنا افة البطالة وطحنته لسنوات، وفرصة العمل اليتيمة التي نالها كانت عمل في الزراعة بنظام المياومة، يستيقظ يوميا من اجلها قبل طلوع الفجر ليسافر ويعبر حاجز الحمرا اللعين ليصل الى مناطق الاغوار، حيث الطقس هناك مثل جهنم الحمراء في الصيف، وبارد الى حد تكوّن الصقيع في الشتاء، وهو عمل اشبه تماما بعمل السخرة زمن الاقطاع والعبيد، مقابل اجر يومي لم يكن يتجاوز ال 58 شيكلا-- بلا حقوق عمالية ولا ضمانات صحية ولا ضمانات اجتماعية، ولا تامينات ضد اصابات العمل-- وماساة المحسود لم تتوقف عند الاجور المتدنية او ظروف العمل اللا انسانية.. بل تجاوزتها الى مروره هو وزوجته بظروف صحية صعبة للغاية، دفعتهما لانفاق كل ما كان المحسود يحصل عليه من اجور للعلاج، واكتملت الماساة مع ولادة ابن له خرج من بطن امه وهو يعاني من بعض الأمراض، مما جعل المحسود يستلف المزيد من الاموال من اصدقائه ومعارفه كي ينقذ وليده.
مات المحسود تاركا للمجهول زوجته وابنه، وتاركا في قلب ابيه وامه حسرة.. ومثل كل الفقراء مات بصمت وبلا ضجيج، كافح طول حياته بشرف ليكسب قوت عياله، لم يكن يبحث يوما عن رغد العيش-- فهو لا يعرفه، ولا كذلك ابدا عن الرخاء والترف، وكان حلمه الاكبر مجرد الحصول على فرصة عمل كريمة آمنة، توفر له الحد الادنى من احتياجات اسرته، من ماكل وملبس ومسكن وعلاج.. كان يحلم لو يحمل يوما في جيبه اي مبلغ من المال-- مهما كان صغيرا-- يمكنه من ادخال البهجة والسرور الى قلب زوجته وابنه، ولينام ليلة واحدة غير خائف من الغد.. لكن غول الفقر ظل يطارده كما طارد قبله اباه، ويطارد الان اكثر من 50% من ابناء شعبنا.. هذا الغول المنفلت من عقاله، والذي لا يجد من يحاربه بصدق وجدية ليجتثه من جذوره، ويخلص الشعب من شروره، الامر الذي يؤكد ان في بلادنا طبقة اخذة بالتبلور-- هي خليط متحالف من الحكام واصحاب رؤوس الاموال-- تؤمن بان الفقر ظاهرة طبيعية، وترسخ بسياساتها وممارساتها نظاما يقوم على الانقسام الطبقي، حيث تنعم فئة قليلة من الناس بالثروات وتهيمن على الفرص والمقدرات، لتجلب لنفسها الرفاهية.. وفئة اخرى تشكل الاغلبية، محرومة مهمشة، تعيش على الفتات من الخيرات، وتطحنها بشكل مستديم ازمات السياسات الاقتصادية والاجتماعية-- التي تقررها وتفرضها الطبقة الاولى الحاكمة.
لم يستطع المحسود الانتصار على الفقر ، رغم انه ظل يكافح طوال حياته للانعتاق منه.. ولا يمكن لامثال المحسود ايضا الخلاص من الفقر-- الا اذا واجهوا الفقر بشكل جماعي-- من خلال حركة اجتماعية، تسعى لاحداث التغيير الجذري في مجمل نظامنا السياسي.. وتفرض سياسات وتسن قوانين، تؤسس لاقامة نظام سياسي يقوم على العدالة الاجتماعية والاقتصادية.. وهي المعركة الازلية التي خاضها كل المظلومين عبر التاريخ وقادها عظماء لن تنسى البشرية ماثرهم، وكان من ابرزهم الخليفة الراشدي عمر ( رضي الله عنه ) ، الذي قال يوما وهو يحاول ارساء نظام للعدالة -- والله لو كان الفقر رجلا لقتلته-- ومنهم كذلك الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) الذي قال وهو يكافح الفقر ويحاول استئصاله ( عجبت لمن لا يجد في بيته قوت يومه.. كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه ) مشرعا بمقولته العظيمة تلك للجياع وللمحرومين-- اطلاق ثورة شاملة ضد الفقر.

مخيم الفارعة
21/8/2008

عيش يا قديش

عيش يا قديش
بقلم : خالد منصور

كان يجلس على الرصيف عند دوار الحسين في مدينة نابلس، مطرقا رأسه ويمتص الدخان بشراهة من سيجارة من النوع الرخيص، وكان بين لحظة وأخرى يرفع رأسه ويلقي بنظرة شاردة على جموع الناس المارين من أمامه، رجل في الخمسين من عمره، أشيب الشعر، يبدو انه لم يحلق ذقنه منذ عدة أيام.. اقتربت منه وألقيت عليه التحية، ففوجئ بوجودي وكأنه لم يكن يتوقع أن يعرفه احد في ذلك المكان، رد علي التحية بحرارة، وأفسح لي مكان على الرصيف بجانبه ودعاني للجلوس، سألته ماذا يفعل ولم يجلس في ذلك المكان، فأجابني انه يشعر وكان هموم الدنيا كلها موضوعة فوق رأسه، ولذلك قرر الابتعاد عن بيته وزوجته وأولاده ليوم كامل، وان استطاع فلأسبوع أو شهر أو أكثر، وقال خرجت إلى الشارع لأسير إلى حيث تأخذني قدماي.. سألته عن أوضاعه ( وأنا اعرف عنه مسبقا انه عاطل عن العمل، ولديه 6 أبناء، أكبرهم عمره 22 عاما، وهو معتقل في احد السجون الإسرائيلية، بتهمة قد ينال عليها عقوبة تمتد للعديد من السنوات ).. فأجاب بعد أن اخذ نفسا عميقا من دخان سيجارته.. كل شيء في هذه الدنيا أصبح بلا طعم، ولا شيء فيها يبعث على الأمل.. وأضاف : ها أنا عاطل عن العمل منذ أن بدأت الانتفاضة، وممنوع من الحصول على تصريح عمل لأسباب أمنية-- بسبب اعتقال ابني-- وان وجدت عملا في المناطق العربية، فانه لن يستمر إلا لبضعة أيام، ولذلك لا أستطيع تامين ابسط الأشياء لأولادي.. وأولادي لم يعودوا يسمعون كلامي، وحتى لم يعودوا يعاملونني باحترام، كل ذلك بسبب أنني لا أستطيع توفير لهم ما يطلبون وما يحتاجون.. ابني الأكبر معتقلا بالسجن، وأنا لا أستطيع زيارته، بينما أمه تزوره فقط مرة واحدة كل شهرين أو ثلاثة، ويبلغنا المحامي بين فترة وأخرى أن محكمته قد تأجلت.. لكن الأشد إيلاما أننا اليوم على أبواب شهر رمضان، وليس بمقدورنا تامين احتياجات شهر رمضان ولوازمه، بعد أن كنا قد استلفنا مبالغ طائلة لتامين احتياجات أبناءنا المدرسية..
حاولت أن اشد من عزيمته وأواسيه ولو قليلا، قائلا له : إن الأمر لن يطول.. وما عليه إلا الصبر وتحمل المصاعب.. مذكرا إياه بأيام سابقة كانت قد مرت عليه.. فقال لي بغضب : لا والله لم اشهد في حياتي أياما أسوا من هذه الأيام.. ففي الأيام السابقة كان لدي أمل وكان يلوح بالأفق شيء ما.. لكن لا يبدو لي أن في الأفق هذه الأيام أي بصيص من الأمل، ولا يبشرنا بأي شيء يفرح قلوبنا وينعشها..
قلت له بعد أن شعرت انه يائس محطم شديد الإحباط : تماسك يا رجل.. فكل شيء يمكن أن يتغير.. ولن تدوم هذه الأحوال إلى مدى الدهر.. فأجابني بسخرية.. أنا اشعر أنني لن أكون موجودا عند اللحظة التي ستتغير بها هذه الأحوال.
نهضت من مكاني وقلت له إنني سأقوم بإحضار فنجاني قهوة لي وله من الكشك المقابل، وأثناء تحضير القهوة قررت أن أحاول إخراجه ولو مؤقتا من همومه، فسردت له بعض الطرائف التي حصلت معي.. حتى شعرت أن ثورة غضبه قد هدأت، وقلت له حينها: دعنا نتحدث في أمور أخرى-- وأنا اعرف شدة اهتمامه بالسياسة العامة، وشغفه بمتابعة الأخبار، فوافق بعد أن قال-- وهل تعتقد أن الوضع العام أفضل من وضعي الخاص..؟؟ وأكمل قوله: إن كنت تعتقد ذلك فأنت مخطئ، فالأوضاع العامة تسير من سيئ لأسوا ويبدو أن المسئولين في بلادنا كلهم-- لا استثني منهم أحدا-- تركوا شعبهم للهموم .. ونحن العامة من الناس ومثلنا كل أوضاع بلادنا، نعيش كما يقول المثل ( عيش يا قديش .... )
فان سألتني متى ستتحرك الحكومة للجم غول الغلاء سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى ستنتهي البطالة ويجد العمال فرص عمل كريمة.. سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى سيتحسن وضع الخدمات الطبية الحكومية سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى سيقوم النائب العام بفتح ملفات الفساد.. سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى ستنهي الحكومة دفع المستحقات للموظفين.. سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى ستنتهي حالة الانقسام والتجزئة في الوطن.. سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى سنطوي ملف الاعتقال السياسي.. سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى سيبدأ الحوار الوطني الجدي.. سأقول لك : عيش يا قديش
ومتى سنجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية.. سأقول لك : عيش يا قديش.
ومتى سيصبح التلفزيون الفلسطيني تلفزيونا لكل الفلسطينيين.. سأقول لك : عيش يا قديش.
كاد راسي ينفجر من قسوة الحقائق التي تحدث عنها ذلك المواطن الفلسطيني.. وبدلا من أن أخرجه من همومه-- وجدت نفسي أيضا مثله محبطا، عاجزا عن تقديم أي إجابة أخرى غير ( عيش يا قديش ) على كل الأسئلة التي طرحها هو، وأجاب عليها بنفسه.. فنهضت واستأذنته بالمغادرة، وأسرعت للتواري عنه في زحمة الناس.

مخيم الفارعة
26/8/2008

أي ثقافة يا لميس..؟؟

أي ثقافة يا لميس..؟؟
بقلم : خالد منصور


من الوقاحة أن يحاول بعض الممولين وضع شروط تنال من قيمنا ومثلنا، وتمس بما نؤمن بأنه تراث ثوري وطني.. ومن المخجل حقا أن يستجيب البعض منا لمثل هكذا شروط .. حدث ذلك في العام 2004 حيث انه وأثناء التحضيرات لإقامة المخيمات الصيفية.. فوجئت إحدى اللجان المركزة بمطلب غريب تقدمت به الجهة الممولة، وهو مطلب يحمل في طياته أبعادا خطيرة تتعلق بنوع الثقافة التي من المفترض غرسها لدى الأطفال، ويراد تربيتهم على أساسها، حيث أصرت الجهة الممولة للمخيمات على رفض تسمية المخيمات بأسماء الشهداء الفلسطينيين، وأمرت كذلك بعدم السماح بتعليق صور أولئك الشهداء على جدران المخيم.. وكانت المصيبة حينها أن منظمي بعض المخيمات قد وافقوا على اشتراطات الممول، واستجابوا لتوجيهاته، كي لا يخسروا فرصة الحصول على تمويل لمخيماتهم.. وقد كانت تبريرات الممول حينها انه يريد تعميق وزرع ثقافة السلام والتسامح، ولا يريد إشاعة ثقافة العنف لدى الأجيال الصاعدة.. وهو ينظر إلى أسماء وصور الشهداء كأدوات ورموز تشجع على العنف.. واذكر أنا حادثة أخرى أكثر وقاحة-- حين اشمأزت المندوبة الفلسطينية لإحدى مؤسسات التمويل-- أثناء افتتاحها لأحد المشاريع، من تعليق صورة الطفل الفلسطيني الشهيد فارس عودة، وهو يلقي بحجر على دبابة إسرائيلية تكاد تسحقه، حيث قالت تلك المندوبة الفلسطينية: الم تجدوا غير هذه الصورة لتعليقها..؟؟ ألا تعرفوا أن المؤسسة الممولة ترفض مثل هكذا رموز تحض على العنف..؟؟ ألا تعتقدون أنكم تغامرون بخسارة فرص التمويل التي قد تأتي لكم مستقبلا..؟؟ وحينها أجابها احد الشبان: يبدو انك قد تخليت عن هويتك الفلسطينية، ويبدو انك مصابة بعمى ألوان..!! فمن هو العنيف.. اهو فارس عودة الطفل البريء..؟؟ أم هو الدبابة الإسرائيلية المدججة بالسلاح التي تهاجمه لتسحقه..؟؟

لكن يبدو أن الصورة في العام 2008 قد انقلبت، فلم يكتف ممولي المخيمات الصيفية برفض تسمية المخيمات بأسماء الشهداء وتعليق صورهم، بل وبوقاحة اكبر تجرا البعض منهم على المطالبة بطباعة صور توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق-- الذي كان معرفا عنه انه منحاز ومتعاطف جدا مع المحتلين الإسرائيليين-- وذلك على قمصان وقرطاسية الأطفال في بعض المخيمات الصيفية—وكان من حسن حظ أطفالنا انه لم يتوفر التمويل لذلك المشروع ولم يتم ارتداء صور بلير-- والبعض الآخر أصر على طباعة اسم المؤسسة الأمريكية أل ( USAID ) الشهيرة بعدائها للكفاح الوطني الفلسطيني والتي تصر على اعتبار حتى الشكل السلمي منه شكلا من أشكال الإرهاب..
صحيح أن معالي وزيرة التربية والتعليم الفلسطينية-- السيدة لميس العلمي-- لا تتحمل مسئولية ما كان يحدث قبل استلامها لحقيبة الوزارة.. لكنها من المؤكد قادرة وهي في منصبها على التأثير على نوع الثقافة التي من الممكن أن تسود بين صفوف أبناءنا الطلبة.. وإننا نعطي لنفسنا الحق لنسال معالي الوزيرة – أي ثقافة يا لميس نريد أن نزرع..؟؟ فمن غير المعقول ولا المقبول أن تغطي صور أبطال المسلسل التركي ( نور ومهند )، أغلفة الدفاتر وجلود الكتب وحقائب المدارس لأطفالنا.. لان من شان ذلك إبعاد الناس عن واقعهم وشد اهتمامهم، بعيدا عن قضاياهم الوطنية والمعيشية، والتشجيع على سلوكيات لا تتفق مع عاداتنا وتقاليدنا، وغرس ثقافة غريبة عن ثقافتنا الوطنية-- لا تتفق مع ما يجب أن ننميه من ثقافة المقاومة والصمود، والارتباط بالواقع لا التحليق بالخيال.. وجعل مهند ونور رموزا لأطفالنا بدلا من شهدائنا العظام.

مخيم الفارعة – 25/8/2008

فرح الابناء ووجع الاباء

فرح الابناء ووجع الاباء
بقلم : خالد منصور

على ابواب افتتاح الموسم الدراسي.. ومع الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان المبارك، تعمدت الدخول الى البلدة القديمة من مدينة نابلس ( حي القصبة )، وقررت السير في اسواقها الشعبية ( السوق العتم او خان التجار كما يسميه السكان )، وهي الاسواق التي تمتاز برخص اثمان البضائع فيها، والتي لهذا السبب تكتظ في مثل هذه المواسم بالمتسوقين-- الذين هم في معظمهم من فئات الفقراء وذوي الدخل المحدود وخصوصا من سكان الارياف والمخيمات ومن احياء الفقر في المدينة-- وكان الهدف من وراء تجولي في تلك الاسواق الوقوف على حركة التسوق، التي من المفترض ان تكون نشطة بشكل لا يقارن مع الايام العادية، كما انني وددت الوقوف على مدى تاثير تردي مستويات الدخل، وتفاقم افة الغلاء، على القدرة الشرائية للمواطنين.
بصعوبة كبيرة كان يمكنني السير في تلك الاسواق التاريخية الضيقة، حيث محلات الملابس والاحذية، وحيث لوازم المدارس من حقائب وقرطاسية، اضافة الى محلات المواد الغذائية ( من لحوم وخضار ومعلبات وتوابل وبهارات ) والكل يعرض بضاعته بشكل جذاب، ويقوم بتعليقها امام دكانه، مما يؤدي الى ارتطام راسك بالمعروضات من ملابس واحذية.. وكثيرا ما تجد حركة السير قد توقفت-- لان بعض النسوة قد وقفن امام احد الدكاكين لفحض بضاعة ما، او لمساومة صاحب محل على سعر سلعة، وقد تطول تلك المساومة مما يتسبب بتعطيل السير، وقد يكون سبب تعطيل السير تحاشي الرجال الاحتكاك باجساد النساء، واحيانا تصادف حمالا يدفع عربة لنقل البضائع، الامر الذي يعني انك تصبح مضطرا للبحث عن فراغ في المكان كي تتجنب ارتطام العربة بجسدك.. الناس في السوق كانهم النمل يسيرون بالاتجاهين، الكل يحدق بكل شيئ، ويبحث عن الحاجيات التي جاء لشرائها وكان قد اعد قائمة باصنافها.. وترى هناك اولياء الامور-- وخاصة النساء-- تسير كل واحدة منهن ومعها اربعة او خمسة من ابنائها وبناتها، جلبتهم معها لتشتري لكل واحد منهم كسوته التي سيدخل بها العام الدراسي، وقرطاسيته وحقيبته المدرسية، كما ولتشتري لوازم شهر رمضان من الاغذية ( الجبنة الصفراء والبيضاء وقمر الدين ولوازم صنع الحلوى من جوز ولوز وفستق وكذلك التوابل والبهارات والمعلبات و. و.. الخ )، ومما يجعل حركة السير في السوق اكثر صعوبة-- ان كل المتسوقين يحملون بايديهم اكياسا تحوي ما كانوا قد ابتاعوه.. وما ان وصلت الى البوابة الشرقية للسوق-- عند الجامع الكبير-- حتى شعرت بالانهاك الشديد، ووجدت نفسي اتصبب عرقا من شدة الحر، ومن ارتفاع الضغط داخل السوق، بسبب الازدحام الغير طبيعي.
في البداية اقر بان حجم المتسوقين كان كبيرا جدا، ولم يختلف كثيرا عنه في الاعوام السابقة، لكنني بالمقابل لاحظت ان الناس قد قلصوا حجم مشترياتهم الى النصف تقريبا، فبدلا من شراء كسوتين رايتهم يشترون كسوة واحدة-- سالت واحدة من النساء لم لم تشتري لابنائها الاربعة حقائب مدرسية..؟؟ فقالت: ان حقائبهم القديمة مازالت صالحة، وبامكانهم استخدامها لعام اخر-- وقد لفت انتباهي جيدا الاقبال الشديد على التسوق من المؤسسات التجارية الكبرى، وعندما استفسرت عن السبب قيل لي: لان اسعارها تتناسب مع امكانيات الفقراء وذوي الدخل المحدود.. والاهم من ذلك انني لاحظت اقبالا غير عادي على شراء المستعمل من الملابس والاحذية، وكذلك على شراء البضائع الصينية-- رغم انها اقل جودة من البضائع المحلية-- وكان تعليل الناس لهذا التوجه انهم يجدونها ارخص بكثير من غيرها من البضائع.
سالت احد سكان مخيمنا الذي التقيت به في ذلك اليوم في السوق-- وانا اعرف عنه انه فقير بائس، يعمل بشكل غير منتظم، ويعيش وضعا اقتصاديا صعبا جدا-- بسبب الديون المتراكمة عليه-- مالذي يدفعه لانفاق كل ما انفقه في ذلك اليوم من المال ( 700 شيكل ) على شراء اللوازم المدرسية لابنائه، وعلى شراء لوازم شهر رمضان.. فاجابني : انا مثل كل الاباء مضطر لفعل كل ما من شانه جلب الفرح والسعادة لابنائي.. حتى ولو انفقت كل ما املك .. حتى ولو استلفت وتحملت مزيدا من الديون.. انا لا يمكنني ابدا تحمل رؤية دمعة واحدة في عين ابني بسبب حرمانه من التساوي مع اقرانه ( باقتناء حذاء جديد او قميص جديد او بنطال جديد ).. واضاف-- ان ادخالي الفرح الى قلوب ابنائي يعادل عندي كل كنوز الدنيا، ومن اجل ذلك انا مستعد لتحمل كل ضغوط وهموم الديون، ومستعد لحرمان نفسي وزوجتي من كل الاشياء، وحتى تلك التي نحن بامس الحاجة اليها.. ومستعد للعمل حتى في الاشغال الشاقة جدا-- ان وجدت-- كي اكسب المال واتمكن من تلبية كل احتياجات ابنائي.
لم استطع جدال ذلك الاب.. واعترف انني عجزت عن جداله.. فقد بدا لي وهو يتحدث مثل تلك اللبؤة التي تخوض اشرس المعارك-- وقد تجرح وقد تفقد حياتها-- لتصطاد اولا ولتحافظ على فريستها ثانيا، كي تقدمها لاشبالها، وتشبع جوع تلك الاشبال.. وقد علمني ذلك الحوار مع ذلك الاب انه لابد لي من النظر الى علاقة الاباء بالابناء من زاويتين-- فمن الزاوية المادية ساجد ان فرح الابناء يجلب الوجع للاباء ( هذا في بعض الاحيان ).. ومن الزاوية الروحية ساجد ان فرح الابناء هو البلسم الشافي لوجع الاباء ( وهذا في كل الاحيان ).

مخيم الفارعة
22/8/2008

لم نفقد الحب بعد

لم نفقد الحب بعد
بقلم : خالد منصور

ما أن وصل نبا اعتقال ولدي البكر ساري من على حاجز زعترة الاحتلالي، إلا وعشرات الاتصالات الهاتفية تنهمر على منزلي للسؤال والاستفسار عن الأمر.. وعلى الفور تحول منزلي إلى مزار للأهل والأصدقاء للتعاطف والتضامن معنا، حيث حاول الجميع تبديد قلقنا والتخفيف من وقع الحدث علينا، من خلال سرد عشرات القصص عن حالات مشابهة تعرض فيها الشبان للاعتقال من بيوتهم ومن أماكن عملهم ومن على الحواجز.. وكان كل المتحدثين يحاولون إسقاط ما يتمنون علينا بالقول لنا انه ربما يتم إطلاق سراح ساري بعد يوم أو يومين على ابعد حد.
صدق المشاعر كان جليا.. وبوضوح تام كان التعاطف الحقيقي يظهر على وجوه وتصرفات كل من هاتفنا أو زارنا ببيتنا أو قابلنا في طرق وأزقة المخيم، ولم يشذ عن ذلك احد من السكان من كل العائلات ومن كل الاتجاهات السياسية والفئات العمرية.
توقفت طويلا أمام هذا السيل المتدفق من التعاطف، الذي أبداه أهل مخيمي تجاه قضية اعتقال ولدي، وحاولت أن أفسر التناقض الكبير بين مشاعر المودة والتالف والتعاضد التي أبداها الناس، وما بين أجواء الصراع والتناحر والتنافر التي رسختها حالة الانقسام السياسي في بلادنا-- والتي وللأسف الشديد تعمل بقوة على تعزيز عملية استبدال التلاحم الشعبي والوحدة الشعبية والتضامن الاجتماعي بالحقد والكراهية والبغضاء.. وعندها أدركت جيدا أن الجوهر الطيب والمعدن الأصيل للجماهير مازالا موجودان، وان الناس في مخيمنا-- كما هم في عموم قرانا وفي أحياء مدننا-- يعتبرون أنفسهم أسرة واحدة متماسكة، يتألمون لآلام بعضهم، ويتسابقون لنجدة ضعيفهم والوقوف إلى جانبه إذا ما وقع بمصيبة أو تعرض لازمة..
لم تتزعزع ثقتي بشعبي في أي يوم من الأيام، ولكن هذه الثقة تعززت اليوم أكثر فأكثر وتعمقت لدي القناعة بأننا لم نفقد الحب في داخلنا كفلسطينيين تجاه بعضنا البعض رغم كل ما حصل وما تقطع من خيوط كانت توصلنا، وان قلوبنا مهما قست وتحجرت سرعان ما ستعود الى طبيعتها والى ما فطرت عليه، فالحزن دوما كان يوحدنا، والخطر كان يقربنا، بينما عملت السياسة على تفريقنا وتقسيمنا إلى معسكرات متناحرة..
اسأل نفسي باستمرار-- هل البسطاء من أهل بلدي مختلفون حقا..؟؟ وإذا كانوا مختلفين فعلى ماذا يختلفون..؟؟ لكنني وأمام كل الشواهد التي المسها واراها من خلال تعايشي مع الناس في الأحياء الشعبية أجد نفسي مقتنعا جدا بان لا خلاف حقيقي بين الطبقات الدنيا من الناس.. ودليل ذلك وقوف هؤلاء إلى جانب بعضهم البعض وقت الشدائد وتراحمهم وتكافلهم حين وقوع المصائب، وتؤكد تصرفاتهم تجاه بعضهم أن لا خلافات عميقة بينهم-- لا في المصالح الوطنية ولا في القضايا المعيشية-- فهم جميعا يئنون تحت وطأة الاحتلال وممارساته، ويتعرضون يوميا لجرائمه، إضافة إلى أنهم غارقون في أزمات البطالة والفقر والغلاء، والاهم من ذلك كله تنامي شعورهم بأنهم مهملين مهمشين من قبل ساستهم وطبقة المسئولين في بلادهم.. الذين يختلفون فيما بينهم على مصالح ليست أكثر من مصالح أنانية ذاتية يقومون بإلباسها عباءات الوطنية والفصائلية وينزلون بها إلى الجماهير ليخلقوا اصطفافات تخدمهم في معاركهم.

مخيم الفارعة – 18/8/2008