Subscribe to updates

Thursday, October 30, 2008

مجانية التدريس يا دولة الرئيس

مجانية التدريس يا دولة الرئيس
بقلم : خالد منصور

في بلدنا كل المعطيات تشير إلى أن هناك توجها لخصخصة كل شيء.. وإتاحة الفرصة للأغنياء وللأقوياء لتملك كل شيء.. والتحكم بكل شيء.. فبعد خصخصة قطاع الاتصالات جاء دور الكهرباء وعلى الطريق يسير قطاع مياه الشرب وقبل الجميع كان قطاع السياحة ووسائل المواصلات وها نحن نرى نذر تحويل جزء من قطاع الأمن إلى قطاع خاص.. يجري تنفيذ كل ذلك بدعوى الجدوى الاقتصادية وقدرة القطاع الخاص على تطوير الخدمات، دون إدراك أن الخصخصة للقطاعات الحيوية التي تقدم الخدمة لعموم الشعب، تجعل حياة كل الشعب رهينة إرادة مالكي تلك القطاعات، وتمنح أولئك المالكين الفرصة ( من مواقعهم الجديدة ) للتّحكم بالاقتصاد الوطني، وبالخدمات العامة الحيوية، والهيمنة لا على الاقتصاد وحده-- بل وعلى السياسة الوطنية-- والتأثير بمصير الشعب وقضيته.. وها هي الشواهد في بعض القطاعات التي ( خصخصت ) تفيد بان الشغل الشاغل لمالكيها ينحصر في تحقيق أرقام قياسية في الأرباح، وجمع الملايين من جيوب أبناء الشعب، دون أن يدفعوا للخزينة الوطنية إلا كما يقول المثل ( من الجمل أذنه ).
ويبدوا أن توجّه الحكومة نحو الخصخصة لن يتوقف عند القطاعات السابقة.. فهو يستهدف الآن بخطوات ثابتة ( وان كانت تبدو بطيئة ) أهم قطاعين حكوميين يقدمان الخدمة للجمهور، وهما قطاعي الصحة والتعليم.. ولأنني سبق وكتبت عن وضع قطاع الصحة الحكومي.. فإنني أود التركيز في هذه المقالة على قطاع التعليم الحكومي، الذي يمس حياة كل أبناء الشعب-- وبالطبع عدا أبناء الذّوات من المسئولين والأغنياء الذين ومن موقع قدرتهم على دفع التكاليف، يضعون أبناءهم في المدارس الخاصة، أو حتى يرسلونهم للدراسة في مدارس بلاد الإنجليز والأمريكان.
دولة رئيس الوزراء سلام فياض.. لا اشك في استقامتك الشخصية أو نزاهة إدارتك للحكومة.. بل وأقول أكثر إن عهد وزارتك قد يكون الامثل بين كل الوزارات السابقة.. ولكنني ومعي الكثيرين من أبناء شعبي نختلف معك في السياسات.. فأنت تقود بلادنا نحو اقتصاد السوق المفتوح-- دون أدنى حماية للمنتجين المحليين ولا للمستهلكين-- وخاصة الجماهير العريضة من الفئات الشعبية-- وانطلاقا من إيماني بحرية الرأي والحق بالتعارض والاختلاف ( وذلك بالسبل والأساليب الديمقراطية ).. فإنني ساسالك عن ثلاث.. عن الرسوم المدرسية.. وعن الكتب والقرطاسية.. وعن الدروس الخصوصية..
ربما ستقول لي أنت أو بعض مسئولي وزارة التربية والتعليم، أنها ليست رسوم بل هي تبرعات مدرسية.. ولكنني أقول لك جازما أنها رسوم تجبى من الطلبة.. فلماذا يدفع الأبناء هذه الرسوم، في الوقت الذي يدفع فيه آباءهم كل ما يستحق عليهم من ضرائب..؟؟ ولماذا لم تنظر وزارة التربية والتعليم إلى الأوضاع المعيشية القاسية، التي تعيشها جماهير شعبنا، فتقوم بإعفاء العاطلين عن العمل ( كما فعل الرئيس الراحل ياسر عرفات في سنوات سابقة )، أو تعفي ذوي الدخل الأدنى من خط الفقر، أو تقوم بتخفيض تلك الرسوم إلى النصف مثلا.. إن جباية تلك الرسوم-- يا دولة الرئيس-- يتعارض مع مبدأ مجانية التدريس..
وكيف تستقيم مجانية التدريس يا دولة الرئيس مع تحميل أولياء أمور الطلبة-- بالإضافة إلى عبئ الرسوم المدرسية-- عبئا آخر يتمثل بشراء الكتب والقرطاسية لأبنائهم.. بمبالغ قد تصل إلى عشرين دولارا لكل طالب..!!
لكن الظاهرة الأخطر التي تواجه التعليم في بلادنا، هي الانتشار الواسع للمعاهد التي تبيع خدمة الدروس الخصوصية للطلاب بأثمان باهظة ( وخاصة لطلاب صفوف الثانوية العامة ).. والتي وللعلم يقوم بالتدريس فيها عدد كبير من معلمي القطاع الحكومي.. الأمر الذي يمكن أن يستدل منه على تراجع مستوى التعليم في المدارس الحكومية.. فلماذا يلجا الطالب للدروس الخصوصية وعلى يد نفس المعلم.. أين الرقابة والمتابعة.. ولماذا لا يعطي بعض المعلمون نفس الجهد لطلابهم في المدارس، بدلا من تشجيعهم للتوجه للمعاهد..؟؟ قد يرد على كلامي البعض بالقول أن معظم أوائل الطلبة كانوا من طلاب المدارس الحكومية..!! ولكنني أدعو ذلك البعض لفحص كم من أولئك الطلبة الأوائل كان قد تلقى الدروس الخصوصية..وأخيرا اسأل: لماذا تنتشر المدارس الخاصة كالنار في الهشيم في معظم المدن.. ويقوم أولياء الأمور ( وحتى من ذوي الدخل المحدود ) بإرسال أبناءهم إليها.. أليس ذلك راجع إلى تراجع ثقة الجمهور بأداء المدارس الحكومية..؟؟
دولة رئيس الوزراء إن معاهد الدروس الخصوصية هي الرديف لمشافي الاستثمار الخصوصية.. فكلاهما نما على أرضية القصور والضعف الذي تعيشه القطاعات الحكومية.. الأمر الذي يعطي الحق للمواطن الفلسطيني للاعتقاد أن هناك سياسة مخططة وممنهجة لإضعاف القطاعات الحكومية لتحل محلها قطاعات الاستثمار.. وهو ما سيلحق اشد الضرر بمصالح الفئات الشعبية-- الغير قادرة على شراء أكثر الخدمات حيوية ( الصحة والتعليم ).

مخيم الفارعة
1/9/2008

No comments:

Post a Comment