Subscribe to updates

Saturday, November 1, 2008

زيـتـنـا أحـمـر

زيـتـنـا أحـمـر
بقلم : خالد منصور

في محاولة من مندوب التسويق في الإغاثة الزراعية الفلسطينية لإقناع بعض التجار العرب لشراء الزيت الفلسطيني ، وأثناء مواجهة ذلك المندوب العقبة تلو العقبة ، في إقناع أولئك التجار بشراء كميات وافرة من زيتنا بسعر معقول ، يساوي الجهد العظيم الذي يبذله فلاحنا في رعاية هذه الشجرة المباركة وحمايتها من غول المستوطنين وعسف جيش الاحتلال ، ويعادل الثمن الباهظ الذي يدفعه من دمه وعرقه ومن أعصابه لقطف هذا الزيتون وجمعه وعصره .. وبعد أن رأى ذلك المندوب المسكين عدم تأثرهم بكل شروحاته ، وحتى مناشداته لهم لاعتبار شرائهم لزيتنا الفلسطيني كجزء من تضامنهم معنا كأخوة لهم في العروبة والإسلام ، نكابد الويلات ونواجه الأهوال والمحن ، ونصبر ونقاوم ، ونصمد في وجه عدو العرب والمسلمين أجمعين .. وبعد أن رأى إصرارهم على التعامل مع الموضوع كله بلغة الصفقات التجارية المجردة وبمعادلة الربح والخسارة .. عندها تفتقت عبقرية هذا المندوب الفلسطيني سفير شعب الجبارين عن حيلة ، حاول من خلالها التأثير على عقول وقلوب هؤلاء التجار الباردة الصماء ، فقال لهم : ألم تلاحظوا أن هناك فرق كبير بين لون زيتنا الفلسطيني ولون كل الزيوت المنتجة في باقي البلدان .؟؟ ألم تلاحظوا أن لون زيتنا غامق وثقيل جدا بالقياس بتلك الزيوت ..؟؟ ألم تلاحظوا أن زيتنا احمر ….!!؟؟ فدهش التجار كثيرا ، وقالوا له وكيف ذلك ..؟؟ فأجابهم لهم إن زيتوننا مروي بدماء الشهداء .. وانه لكثرة الدم المراق على أرضنا ، فان جذور أشجار الزيتون تمتصه ممزوجا بالماء ، ويصعد مع العصارة إلى العروق والأوراق ، ليتم إفرازه مع الزيت من جديد في داخل حبات الزيتون .... لكن الحيلة لم تنطلي على التجار وهزوا رؤوسهم ، واستمروا على مواقفهم الرافضة شراء الزيت الفلسطيني بادعاء أن سعره مرتفع .
من الطبيعي لغير الفلسطينيين اعتبار الحديث عن تغير لون زيتنا من الأصفر إلى الأحمر مبالغة يرفضها العقل .. ومن المؤكد أن مندوب التسويق في الإغاثة الزراعية كان يدرك أن حيلته لن تمر ولن يجري تصديقها من قبل هؤلاء التجار ، أو من غيرهم من المشغولين بأنفسهم وبحياتهم اليومية ، والذين تراجع إحساسهم العميق بالأخوة العربية وبالتضامن العربي ، الذين لم يعيشوا التجربة الفلسطينية ولم يمروا بنفس الظروف .. كيف يصدقون وهم لا يعرفون إلا ما تنقله لهم بعض الفضائيات ، من نتف عن أخبار هذا الشعب الصابر الصامد ، الذي يتعرض لحرب إبادة حقيقية منذ عقود من السنين ، كان وما زال يسقط فيها الشهداء يوميا بالعشرات ، وان دماء هؤلاء الشهداء الطاهرة الزكية لو تجمعت لسالت كالأنهار ، حيث يمكن القول - وهذا حقيقي وغير مبالغ فيه - أن كل شبر من أرضنا شهد سقوط شهيد أو أكثر .. وان ترابنا لو تم تحليله في المختبرات لظهر اختلاطه الواضح بالدماء .
ولكننا نحن الفلسطينيون نصدق ذلك ، ونجزم بأنه سيأتي يوم يتحول فيه لون زيتنا ولون كل نباتاتنا إلى الأحمر ، من كثرة الدماء التي تسيل على أرضنا ، والتي ويجري امتصاصها مع الماء من قبل جذور كل النباتات .. فكم من شهيد سقط في كروم الزيتون .. وكم من فلاح سقط وهو يحتضن أشجار زيتونه ويدافع عنها كي لا تدمرها الجرافات الإسرائيلية .. وكم من مزارع طارده المستوطنين في أرضه وفي كرومه أثناء موسم القطاف ، وقتلوه بدم بارد ، وسلبوا منه أدوات القطاف من ( جدادات وسلالم وشوادر ) واستولوا على ما كان قد جمعه من محصول .. كم من قرية مثل بيت فوريك وحوارة وسلفيت وبورين بل وعشرات ومئات القرى ، التي تحرم سنويا من قطف كروم زيتونها المجاورة للمستوطنات ، ويتحول موسم القطاف بها إلى موسم للنضال والتحدي وموسم للشهادة .. هل سمع أحد في العالم بقصة الزلموط ذلك الفلاح الفوريكي ذو الثمانين من العمر الذي تربص له مستوطنو ايتمار وطاردوه في حقل زيتونه كما يطارد الصيادون الفرائس في الغابات ، وعندما حاصروه انهالوا عليه بالضرب وبالرجم حتى هشموا وسحقوا جمجمته ..
نعم إن شجرة الزيتون مباركة ، ولكنها في بلادنا مباركة أكثر ، وهي رمز عروبة هذه الأرض ، ورمز من رموز التحدي للغاصبين الصهاينة ، ولذلك هي دائما مستهدفة ، فيتم قطعها من قبل المستوطنين ، وتدميرها بجرافات جيش الاحتلال ، والأخطر من ذلك هو تلك القوانين والقرارات الظالمة ، التي أخذت تصدرها سلطات الاحتلال سنويا ، وتحدد فيها أوقات دخول الفلاحين إلى أراضيهم المجاورة للمستوطنات والطرق الالتفافية ، وتسمح لهم في هذه الأوقات - والتي لا تتعدى بضعة أيام - بالقيام بعملية قطف الزيتون .. وهي القرارات التي ينظر إليها الفلسطينيون على أنها مقدمة لمصادرة تلك الأراضي ، فيخرقوها ويخاطروا بأرواحهم ويدخلوا أراضيهم في غير تلك الأوقات - كشكل من أشكال التحدي والرفض للقرارات الصهيونية .
فبوركت أيادي هؤلاء الفلاحين الجبابرة ، وبوركت أيضا سواعد المتطوعين من الأصدقاء الأجانب ، الذين يحافظون على تقليد سنوي ، يأتون فيه إلى بلادنا ويتحملوا المعاناة معنا ، ويعرضوا أنفسهم في أحيان كثيرة للتنكيل وحتى للقتل ، ليساعدونا في قطف زيتوننا ، وخصوصا في مناطق الخطر المحاذية للمستوطنات ، ومعسكرات الجيش الإسرائيلي والطرق الالتفافية ..
وبوركت كل الجهود الرامية لتسويق زيتنا الفلسطيني في الخارج ، والتي ما من شك في أنها جهود تعزز صمود فلاحينا في أراضيهم ، وتحفظ لهم ثمرة تعبهم ، وتجعل للأرض قيمة اقتصادية إلى جانب قيمتها الوطنية السامية .

مخيم الفارعة
1/10/2008

No comments:

Post a Comment