Subscribe to updates

Saturday, November 1, 2008

لا عاش الجبان

لا عاش الجبان
بقلم : خالد منصور

شحادة الزلموط فلاح فلسطيني من بلدة بيت فوريك الواقعة شرقي مدينة نابلس تجاوز المائة من عمره وما يزال في قمة نشاطه وعطائه، يحب الأرض أكثر من أبنائه، ويحرص على خدمتها ويهتم بشئونها أكثر من اهتمامه بأي شيء آخر، راح أخاه محمد ضحية جريمة قتل شنيعة ارتكبها مستوطنو ايتمار قبل عدة سنوات-- حينما حطموا جمجمته بالحجارة أثناء عمله في أرضه المجاورة للمستوطنة-- وشحادة الزلموط مثل أخاه الشهيد محمد واصل تحدي الرعب والخوف وإرهاب المستوطنين، وواظب بثبات على التوجه يوميا إلى نفس الأرض التي قتل فيها أخاه، ليحرثها ويقلم أشجارها ويرعاها ويحنو عليها وكأنه عاشق والأرض معشوقته، وفي موسم القطاف يشد الرحال إليها مبكرا ليقوم بجني ما يستطيع من ثمارها..
في يوم خريفي وصل شحادة الزلموط إلى أرضه مبكرا راكبا حماره، وبدا عمله بحرث الأرض مستخدما الحمار، وفجأة وأثناء انشغاله بالحراثة وصل إلى المكان واحدا من غلاة المستوطنين ووقف قبالته بغرور واستعلاء وسأله بلغة عربية ركيكة: ما الذي تفعله هنا بجانب المستوطنة..؟؟ فأجاب الزلموط وهو يواصل الحرث: أنا في ارضي وأقوم بخدمتها، فقال المستوطن باستهزاء أنت رجل على حافة قبرك وتأتي لتحرث ارض لن تنجح أبدا في جني ثمارها، فلماذا تأتي وتعرض حياتك للخطر..؟؟ فأوقف الزلموط حماره وأجاب بلغة واثقة سأظل آتي إلى هنا ولن أتوقف عن خدمة ارضي حتى أموت.. فعاود المستوطن الاستهزاء قائلا: انك تضيع وقتك يا عجوز ولن نسمح لك بقطف حبة زيتون.. عندها قال الزلموط بهدوء: أنا اعرف أنكم ستمنعوني من قطف الزيتون، ولكن هذا لا يجعلني أتوقف عن حراثة الأرض وخدمة أشجاري، لأني إذا توقفت عن خدمة الكرم وأهملت بعملي ستنمو الأعشاب البرية وتكبر، وسيكون من السهل عليكم التسبب بحرق الكرم كله كما اعتدتم أن تفعلوا، ثم إنني أحاول إبقاء أشجاري حية حتى يأتي يوم وتنقلعون فيه-- ليس من ارضي فقط بل ومن كل ارض فلسطين.. وأضاف الزلموط لن أخاف منكم ولن ارضخ لتهديداتكم ولا عاش الجبان.
************************************
خرجت يوما بجولة على احد مشاريع الإغاثة الزراعية في بلدة كفر اللبد في محافظة طولكرم وكان المشروع عبارة عن حفر آبار لجمع مياه الأمطار لأغراض الزراعة، بالإضافة إلى بناء جدران استنادية وعمل شبكة مياه جماعية لري الأراضي وتنشيط الزراعة.. كانت المنطقة جميلة جدا، سرت مشيا على الأقدام اسأل عن مواقع الآبار، فإذا بعدد منها إلى جانب الأسلاك المحيطة بمستعمرة ( افني حيفتس )، سالت مهندسي الإغاثة الزراعية من الذي اختار مواقع الآبار فقالوا إنها خيارات المزارعين وان سياسة الإغاثة الزراعية تشجيع مثل هكذا خيارات .. بحثت عن مالك الأرض التي حفر فيها احد تلك الآبار حتى وجدته، فكان فلاحا تظهر عليه علامات الجدية والصلابة أيديه خشنة متشققة ووجهه قد لوحته الشمس،؟ فقلت له لماذا اخترت أن تحفر البئر بجانب سلك المستوطنة..؟؟ فقال لي: لأنني أريد أن اعمر تلك الأرض وأحييها، خوفا من توسع المستوطنة ونهبها المزيد من ارضي.. سألته: الم تكن خائفا من قدوم المستوطنين أثناء عملك وقيامهم بالاعتداء عليك وعلى العمال..؟؟ فقال لي نعم كنت خائف، ولكن ليس إلى حد الجبن والرعب-- فلا عاش الجبان-- ولكنني أيضا كنت مصمم على تنفيذ ما خططت له وبدعم الإغاثة وأهل بلدي واصلت العمل حتى أنجزت حفر البئر وقمت بزراعة عشرات أشجار الزيتون واللوزيات واحلم باليوم الذي تتحول هذه الأرض الوعرة إلى كرم يشكل سد في وجه توسع المستعمرة كما أنني اعتقد أن قيامي بهذا التحدي سيشجع آخرين من أهل بلدي إلى فلاحة أرضهم حتى آخر شبر بالقرب من المستوطنة.
مخيم الفارعة – 29/9/2008

No comments:

Post a Comment