Subscribe to updates

Saturday, November 1, 2008

مع تأجيل قضية اللاجئين

مع تأجيل قضية اللاجئين
بقلم : خالد منصور
عضو المكتب السياسي
لحزب الشعب الفلسطيني

ستة قرون مضت وشعبنا وقيادته السياسية متمسكون بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأولى، وكنا جميعا نعتبر هذا الهدف ثابتا أساسيا من ثوابتنا الوطنية-- على اعتبار أن قضية اللاجئين هي جوهر القضية الفلسطينية.. ومن اجل العودة خاض شعبنا معارك طويلة ومريرة وقدم آلاف التضحيات، وواجه بصلابة وعزم شديدين كل مشاريع التوطين واستبدال العودة بالتعويض وإعادة التهجير التي تقدمت بها الدول والدوائر المعادية لطموحات شعبنا.. وطوال كل تلك السنين لم يجرؤ أي تنظيم أو قائد فلسطيني على إسقاط هذا الحق من على برامجه بل وبالعكس جرى استخدامه دوما لكسب أوسع التأييد والتعاطف من جماهير الشعب.. كما ولم تتأثر المطالبة بتحقيق هذا الهدف أو تتراجع حتى في أسوا المراحل التي مر بها نضال شعبنا.
ومع الدخول في مسيرة المفاوضات في مدريد واوسلو، تجند كل المخلصين الفلسطينيين لمتابعة العملية التفاوضية ( المؤيدين لها والمعارضين )، وللضغط باتجاه التمسك بالثوابت ومعالجة كافة جوانب القضية الفلسطينية-- بطريقة تضمن التوصل إلى حلول عادلة، تحقق للشعب الفلسطيني كامل طموحاته المشروعة.. ومع توقيع اتفاق اوسلو-- الذي اجل بحث ملفات اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والمياه إلى مفوضات لاحقة-- بدا القلق يتسلل إلى جمهور اللاجئين، وخصوصا مع الكشف عن التكتيكات التفاوضية الإسرائيلية، التي حاولت مقايضة الحقوق الفلسطينية ببعضها البعض، وابتزاز المفاوضين الفلسطينيين لتقديم تنازلات في بعض الملفات، مقابل تقديمها تنازلات في ملفات أخرى.. وكان من الواضح أن ملف اللاجئين هو الملف الأكثر عرضة للضغوط، والذي أراد المحتلون جعله قربانا على مذبح التسوية، ويبدو أن مرونة كان قد أبداها المفاوض الفلسطيني بالتعاطي مع صيغ لحل قضية اللاجئين بعيدا عن جوهر القرار 194-- قد أغرت المفاوض الإسرائيلي، وجعلته يتشدد أكثر في رفض أي حل لقضية اللاجئين-- يقوم على الاعتراف بمسئولية إسرائيل التاريخية عن مأساة اللاجئين، واستعدادها لحل هذه القضية حلا عادلا يعيد اللاجئين إلى ديارهم.. ولإحراج المفاوض الفلسطيني، ولتقليص خياراته التفاوضية-- اشترط الإسرائيليون أن يكون أي اتفاق يجري توقيعه مع الفلسطينيين اتفاق رزمة، وان ينهي حالة الصراع إلى الأبد، ويغلق الأبواب أمام أي مطالب فلسطينية في المستقبل، الأمر الذي رفع من درجة خطورة المفاوضات، وفرض على كل المخلصين الفلسطينيين ضرورة التدقيق في أي اتفاق قد يتم توقيعه.
وقد ازدادت مخاوف اللاجئين أكثر تجاه قضيتهم-- مع تجرؤ بعض القيادات الفلسطينية على طرح مبادرات خطيرة، أدت إلى إحداث شق في جدار التمسك بحق العودة للاجئين-- كمبادرة الهدف ووثيقة جنيف-- وهما المبادرتان اللتان لم تواجها عند طرحهما بالصد والحزم الكافيين من قبل القيادة الرسمية، بل إن بعض كبار صناع القرار والمفاوضين الفلسطينيين اعتبروا ما ورد فيها من أفكار بمثابة حلول خلاقة وإبداعية، تساعد في تحريك المفاوضات وفي إخراجها من أزمتها المستعصية، وتفيد بعض مصادر المعلومات أن المفاوضات حول قضية اللاجئين في كامب ديفيد 2 وطابا في العامين 2000 و 2001 قد قطعت شوطا طويلا في طريق حل قضية اللاجئين وانه جرى التوصل إلى تفاهمات غير مكتوبة لحل القضية بعيدة كل البعد عن حق العودة للديار الأولى الذي نص عليه القرار 194 .. وللتصدي لذلك النهج وقطعا للطريق على كل من يحاول التلاعب بقضية اللاجئين.. جرى تفعيل الشارع الفلسطيني، وشرعت العديد من اطر اللاجئين ( داخل الوطن وفي مواقع الشتات ) بحملة للتوقيع على وثيقة الشرف العائلية، وذلك في شهر كانون الثاني من العام 2001 ( وقد كنت أول من وقع بالدم على الوثيقة التي صاغتها لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين، وشرعت بتنفيذ حملة وطنية للتوقيع عليها انطلاقا من مخيم بلاطة- المجاور لمدينة نابلس )، وقد تضمنت الوثيقة-- قسم العودة-- الذي يقول : ( نقسم بالله ثم بدماء الشهداء ألا نتنازل عن حقنا في العودة إلى بيوتنا وقرانا ومدننا وألا نقبل أي تعويض مهما كان مقابل حقنا الفردي والجماعي القانوني والسياسي والتاريخي والإنساني في العودة لفلسطين وأننا نرفض التوطين أو الدمج أو إعادة التأهيل كبدائل عن حقنا في العودة ولا نفوض أيا كان بالتنازل عن حقوقنا الوطنية ).
ومما يزيد اليوم من مخاوفنا من الاتجاه لتصفية قضية اللاجئين-- أن حديث القادة والمفاوضين الفلسطينيين ينصب فقط على خلافات في المفاوضات حول ملف القدس، وحول النسب المئوية للأراضي التي سيجري تبادلها بين الطرفين، ولم نسمع أي خلاف حول موضوع اللاجئين..!! مما يوحي بان هناك مشروع اتفاق منجز حول موضوع اللاجئين.. ينتظر اتفاق اشمل حول باقي الملفات، وهو ما توحي به تصريحات كل من الرئيس أبو مازن والسيدان احمد قريع وصائب عريقات، بقولهم ( إما اتفاق شامل على كل الملفات أو لا اتفاق )، ويبدو أن تصريح اولمرت حول أسفه لما حل بالشعب الفلسطيني من ماسي وآلام ( دون الاعتراف بمسئولية دولة إسرائيل عن تلك الماسي والآلام ) هو جزء من صيغة الاتفاق المزمع إعلانه في موضوع اللاجئين، والذي تفيد بعض المصادر انه لن يتضمن تنفيذ حق العودة إلى الديار الأولى إلا لبضعة آلاف من اللاجئين ستقبل إسرائيل بعودتهم كبادرة إنسانية في إطار لم شمل العائلات الفلسطينية وليس في إطار تطبيق حق العودة.. بينما سيتضمن الاتفاق عودة جزء من اللاجئين إلى مناطق السلطة الوطنية وإعادة تهجير وتوطين أجزاء أخرى من اللاجئين في الدول المضيفة الحالية وكذلك في دول تعلن استعدادها لاستيعاب لاجئين جدد.
وبالاستناد إلى كل ذلك يتضح أن تغيرا كبيرا قد حصل في طريقة تعاطي القيادة الفلسطينية مع حق العودة للاجئين ( من اعتباره حقا مقدسا لا يمكن المساومة أو التنازل عنه، إلى اعتباره حق يمكن مقايضته بحقوق وطنية مشروعة أخرى ).. البعض من تلك القيادة يعتبر التغير اتجاها للواقعية-- منطلقا من هزيمته الداخلية-- ويبرر ذلك البعض لنفسه بالقول-- أن موازين القوى لا تسمح لنا بتحقيق كامل أهدافنا، وانه ما دمنا قد قبلنا بالمفاوضات لتكون خيارنا الاستراتيجي فان المفاوضات في جوهرها ليست أكثر من مساومات، وهي تملي دوما على الطرف الضعيف أن يقدم التنازلات، ويضيف ذلك البعض انه يمكن لنا تحقيق صفقة مربحة تمنحنا مكاسب كبيرة، فيما لو أبدينا مرونة في بعض الملفات.. بل ويشيع البعض على ساحتنا الفلسطينية أن تطبيق حق العودة غير واقعي وغير ممكن من الناحية العملية، مكررين ما تردده دولة الاحتلال إسرائيل في إطار تبريرها رفض تنفيذ حق العودة بان هذا الحق ( أي حق العودة ) يعني فناء دولة إسرائيل.. وهو ما لا يقبل به المجتمع الدولي.
ومع هذا التغير الخطير في طريقة تعاطي القيادة الفلسطينية مع قضية اللاجئين.. وبسبب القناعة بان أي حل في ظل موازين القوى الحالية لا يمكن أن يحقق للاجئين طموحاتهم في العودة إلى ديارهم الأولى.. ومع الإصرار الإسرائيلي بان ينهي أي اتفاق حالة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. يصبح من المشروع مطالبة القيادة الفلسطينية ومفاوضيها بتأجيل بحث قضية اللاجئين.. فان إبقاء القضية بدون حل والعمل على تأجيل بحثها-- أفضل ألف مرة بالنسبة للشعب الفلسطيني كله، ولملايين اللاجئين على وجه الخصوص-- من تصفيتها بالقبول بحل لا يضمن عودة أصحاب الحق إلى ديارهم الأولى، أو يتضمن توطينهم حيث هم، أو إعادة تهجيرهم إلى بلدان جديدة وتجنيسهم بجنسياتها.. وتصبح المهمة المركزية الماثلة أمام القوى الوطنية الحية في الشعب الفلسطيني، وأمام أطر ونشطاء اللاجئين-- العمل بجد ومثابرة لاستنهاض الجماهير، وخوض معركة الدفاع عن حق العودة، والضغط بكل قوة من اجل ضمان عدم توقيع المفاوض الفلسطيني على أي اتفاق ينهي حالة الصراع مع مغتصب الحقوق، وذلك كي لا نغلق الأبواب أمام الأجيال القادمة-- عندما تتغير الظروف وتتغير موازين القوى-- لمتابعة النضال من اجل إنجاز حق العودة لملايين اللاجئين.

مخيم الفارعة – 19/9/2008

No comments:

Post a Comment