Subscribe to updates

Wednesday, July 1, 2009

الشهيد حسين رمانة

الشهيد حسين رمانة : كرم الله يفيض على الشهيد وأهله
رام الله – خاص
" يا بنيتي حافظي على الصلاة في وقتها ، تمسكي بالجلباب ، تعلمي القرآن الكريم ، طالعي الكتب واحرصي على الاجتهاد " بهذه الكلمات أوصى الشهيد حسنين حمدي حسن رمانة ابنته آلاء كأنه كان يدرك في أعماق قلبه أنه على موعد قريب مع الشهادة .

وقفت آلاء ابنة الثلاثة عشر ربيعا على خشبة مسرح بيرزيت بعد أسبوع من استشهاد والدها ، تخاطب الجميع بلغة بارعة كلغة المثقفين والأدباء ، تمجد الشهداء وتفتخر بشهادة والدها ، ترسل التحية إلى الأسرى والمعتقلين تتحدث عن الأيام المعدودات التي عاشتها مع أبيها .

بعد طول انتظار
بين أزقة وشوارع مخيم الامعري الضيقة ، ووسط أحاديث اللاجئين عن عودتهم إلى أرضهم المغتصبة مهما طال الزمن، والأحاديث عن المقاومة والجهاد ، وسط هذه الأجواء أبصر الشهيد حسنين النور لتستقبل عائلة رمانة ابنها الأول بعد طول انتظار.

يقول أبو حسنين والد الشهيد : ( في الثاني من الشهر الثاني للعام 1969 ، احتفلنا بميلاد حسنين وكان ذلك اليوم كالعرس تماما كيوم استشهاده ويوم زفافه ، جاء حسنين بعد سبع إناث ليصبح ترتيبه الثامن بين إخوانه).
درس حسنين المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدرسة ذكور الأمعري ، وبعدها انتقل إلى مدرسة رام الله الثانوية وفي هذه المرحلة تميز حسنين بين صفوف الحركة الطلابية الإسلامية، فكان الأكثر حركة ونشاطا والأكثر غيرة على دينه.

وفي العام 1987 ومع بداية الانتفاضة الأولى اعتقل حسنين قبل امتحانات الثانوية العامة، ويخضع للتحقيق المكثف على خلفية نشاطه في الحركة الطلابية ، ويصمد مجاهدنا أمام الجلاد ، ويمكث في السجن مدة شهر إداري ، ويخرج قبل الامتحانات بعشرة أيام ليحصل على شهادة الثانوية العامة في الفرع الأدبي .

رجل المصحف وابن المساجد
نشأ الشهيد حسنين ( أبوحمدي ) في أسرة غرست في وجدان أبنائها حب رسول الله وحب كتاب الله إلى أن حفظ الشهيد كتاب الله وأنار قلبه بحروف القرآن الكريم ، عرف عن الشهيد حبه لبيوت الله ، فكان من أبناء مسجد العين بالبيرة ومسجد العمري وسيد قطب.

وكان حسنين حسن الصوت في تلاوة القران وحسن الصوت في رفع الأذان، الأمر الذي أهله أن يصبح مؤذنا وإماما لمسجد أبو عبيدة ابن الجراح بالمنطقة الصناعية في مدينة البيرة .

أخذ الشهيد يعلم الأشبال القرآن الكريم وأحكام الدين والرياضة ، وأصبح مسؤولا عن الحركة الطلابية الإسلامية في محافظة رام الله والبيرة واللواء ، نظم المخيمات الصيفية وتميزت هذه المخيمات بحسن الإدارة والتنظيم وأخذت وسائل الإعلام تتحدث عن هذه المخيمات وبرامجها المنوعة .

يقول ماهر شقيق الشهيد : ( كان أخي حسنين محبوبا لدى الجميع ، يحب خدمة الأهل والجيران ، يعرفه جميع الأشبال في رام الله والبيرة تتعب يده من التسليم على فلان وفلان ، عميق التفكير يعشق القران الكريم حتى انه ألف كتابا لتعليم التجويد مع تسجيل صوتي للشهيد لتسهيل التعليم ، كما ألف كتابا حمل عنوان ( البركان الثائر ) وهو عبارة عن قصائد شعرية تحث على الجهاد والتضحية في سبيل الله، ويستطيع القارىء من خلال هذا الكتاب التعرف على شخصية الشهيد وأمنياته في الشهادة ، ويضيف ماهر ذات مرة عرض الشهيد كتابه البركان الثائر على مجموعة من النقاد دون أن يعرفوا أن الكتاب من تأليف الشهيد ، ذهل الجميع من أسلوب حسنين في الشعر وأحبوا التعرف على مؤلفه وكاتبه بيد أن الشهيد لم يأخذ أسلوب شاعر معين وإنما كان له أسلوبه الخاص والمميز، مع العلم أن الشهيد طالب في جامعة القدس المفتوحة يدرس التربية الإسلامية ولم يستطع الشهيد متابعة دراسته بسبب المطاردة .

جهاده وحياة المطاردة
بدأ الشهيد حياته الجهادية منذ أن كان شبلا ، فعرفته شوارع وأزقة رام الله والبيرة ، وأصيب بالرصاص الحي في رجله في الانتفاضة الأولى ، ولم يخبر أحدا عن إصابته ، اعتقل الشهيد 12 مرة تعرض لأبشع أنواع التعذيب في أقبية التحقيق والزنازين، فلم يكد سجنا أو مركزا للتحقيق إلا وكان لحسنين معه قصة أو وقفة يخفف عن المعتقلين ويرفع المعنويات ويشد على أيديهم ، يوزع الابتسامة ، ويلقي الكلمة الطيبة ، عرف عنه الصلابة في التحقيق وكانت الأحكام التي تلقاها في سجناته التي وصلت 12 مرة كما ذكرنا سابقا كلها إدارية .

في العام 1998 وعندما كانت مقاومة الاحتلال الصهيوني جريمة تتسابق أجهزة أمن ذوي القربى لملاحقة واعتقال المجاهدين وزجهم في الزنازين ، اعتقل الشهيد من قبل جهاز الأمن الوقائي في أريحا ، وكانت التهمة الانتماء لكتائب الشهيد عز الدين القسام ، ومكث في سجن أريحا أكثر من عامين ، إلى أن خرج في العام 2000 ، مع بداية انتفاضة الأقصى ، وكون الشهيد يسكن في منطقة قريبة من المناطق الخاضعة امنيا وإداريا لسلطات الاحتلال الصهيوني ، أصبح عرضة للاعتقال فانتقل إلى مخيم الامعري ، وبعد الاجـتياح الكبير لمدينتي رام الله والبيرة في نيسان 2002 ، بدأت حياة المطاردة الحقيقية للشهيد وغاب عن الأنظار .

يقول والد الشهيد : ( طلبت من الشهيد أن يسلم نفسه للجيش الصهيوني ، إن كانت المطاردة على شيء بسيط ، إلا أن الشهيد اقسم حينها على ألا يمس الاحتلال جسده طالما هو على قيد الحياة ، وبعدها اخذ يدعو الله بان يرزقه الشهادة حتى نالها في الأول من كانون أول من العام 2003 ) .

وتضيف أم الشهيد حسنين : ( الشهادة كانت متوقعة أكثر من بقائه حيا ، كان يقول لي إذا أتيتك شهيدا محمولا على الأكتاف فلا تحزني ) .

موعد مع الشهادة
عند ميلاده كان عرسا ، وعند زواجه من أم حمدي ، كان له زفتان الأولى في نابلس عند أهلها ، والثانية في البيرة عند أهله ، والعرس الأكبر والزفة الكبرى كانت لحظة استشهاده كما قال والده.

ليلة يوم الاثنين الموافق الأول من كانون أول من العام 2003، لم يستطع أهالي حي الماصيون برام الله النوم ، عشرات الآليات العسكرية من مختلف الأنواع تحاصر بناية الكسواني المؤلفة من خمسة طوابق ، أزيز الرصاص ودوي القذائف يهز أركان الحي ، تشرق شمس الاثنين والاشتباك لا يزال مستمرا ، يتواصل إطلاق النار وتأخذ مكبرات الصوت المثبتة على جرافة تابعة لقوات الاحتلال طالبة من الشهيد حسنين تسليم نفسه ، ولكن هيهات فهذه ساعة الشهادة وساعة النصر وساعة اللقاء بالرسول محمد وصحبه ، فكان جواب المجاهد القسامي رصاصا وقنابل تهز الأرض من تحت أقدامهم .

ويخوض المجاهد القسامي بمفرده معركة مع مئات الجنود المدججين بأفتك الأسلحة ، ويجبن الجنود الصهاينة من مواجهة الشهيد وجها لوجه ، فيطلقون عليه الكلاب المدربة فيقنصها، فيزرعون المتفجرات حول البناية ومع صوت دوي الانفجار الهائل كان صوت آذان العصر ينطلق من مآذن المدينة كأنه يعانق روح الشهيد وهي صاعدة إلى بارئها.

وبعد أكثر من 19 ساعة من البحث تحت الأنقاض تكتشف جثة فاح أريج المسك من أشلائها ، يقول احد الذين تواجدوا لحظة انتشال جثة الشهيد : ( كان ممدا يحمل بيمينه قطعة من السلاح ، يلبس البزة العسكرية ، ورائحة المسك تملا المكان ).

ويضيف آخر: ( عندما ذهبنا إلى المستشفى وجدنا العشرات من الناس يكبرون ، للكرامة التي أذهلت الجميع وهي رائحة المسك ، فتمكنت من الدخول إلى الثلاجة التي تواجد بها الشهيد وقبلته في جبينه ، وعند عودتي الى البيت سألني احد الإخوة إن كنت أضع العطر أم لا فاكتشفت أن رائحة المسك علقت بشفتاي ).

هكذا عاش ... وهكذا مضى .. بندقيته بيده لم تفارقه ، حتى في لحظة استشهاده ظل ممسكا بها ليسطر ملحمة بطولية ، في الوقت الذي كان المستسلمون والمتنازلون يمدون أيهديهم ليصافحوا القتلة في فنادق جنيف وليوقعوا وثيقة الخزي والعار " وثيقة جنيف " الذي سيظل حبرها عارا على جباههم .

ترك الشهيد حسنين وراءه خمسة أبناء ألاء 13 عاما ، وحمدي11 عاما ، محمد 9 سنوات، جمانة سبعة أعوام، وسدين ابنة الثلاثة أعوام التي لا زالت تحمل دميتها بين يديها تنتظر من وراء النافذة عودة والدها ليحضنها .

No comments:

Post a Comment